ما اجمل المسلم وهو يشارك إخوانه في فرحتهم ومرحهم ومناسباتهم ، تحت الضوابط الشرعية التي أقرتها الشريعة الغراء . ولكن من قبح القول والفعل الذي يمارسه شبابنا اليوم ما يسمى ( المزاح ) أو بلغة أخرى ( المسخرة / الإستهزاء ) فالفرق بينهما شاسع وكبير ، فهذا فيه من الحلال ما هو حلال ، والثاني فيه من التحقير والتنقيص ما فيه .
فالمزاح يعني " الأنبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له بأي لون من
الألوان "[1].
فبالحديث الذي رواه أبو هريرة
رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله : إنك تداعبنا ، قال " نعم ، غير أني
لا أقول إلا حقاً "[2]،
فهذه هي المداعبة التي حافظ عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم طوال حياته .
فالمزاح المحمود " هو الذي لا يشوبه ما كره الله عزوجل ، ولا يكون بإثم
ولا قطيعة رحم ،وعكسه المذموم الذي يثير العداوة ، ويذهب البهاء ، ويقطع الصداقة
ويجرئ الدنيء عليه ، ويحقد الشريف به "[3]
.
ولما سئل بعض
السلف عن مزاحه صلى الله عليه وسلم قال : " كانت له المهابة العظمى ، فلو لم يمازح
الناس لما أطاقوا الاجتماع به والتلقي عنه ، وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً "[4].
يقول الامام الشافعي – رحمه الله :
أفد طبعك المكدود بالجد
راحة بـجده وعللـه بشيء من
المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن
على قدر ما يعطي الطعام من الملح
ولك من رسول الله قدوة حسنة ، ومن بعده عليك بالسلف الصالح فهم أصحابه
وأتباعه ، وهم أفهم وأعلم هذه الأمة بدينها وأحكامها ... فنعم السلف الصالح الذي
كان وما زال حريصاً على تطبيق شريعة الله في الأرض .
فلما كان المزاح نوع من أنواع المرح والترويح عن النفس ، كان الاجدر بنا
أن نضبطه بالضوابط الشرعية ومنها :
v
أن لا يكون إلا صدقاً .فإن
عكس ذلك يكون كذب !!
v
أن لا تؤذي به أحداً ، ولا
تحزن به قلباً أو تدمع به عيناً ، لأنه يصبح حينئذ تحقير وليس مزح
!!
v
أن لا تفرط فيه ، لأن
الإفراط به يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب .
v
أن لا تأخذه ديدناً تداوم
عليه لأنك ستسأل عن وقتك فيم أفنيته .
وفي الأثر عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال " من أذنب ذنباً وهو يضحك
دخل النار وهو يبكي ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أتدرون لم سميّ المزاح
مزاحاً ؟ قال : لأنه أزاح صاحبه عن الحق "[5].
والمزاح من الدين لمن عرف كيف يضعه في مكانه ، سئل الامام سفيان بن عيينة : (
المزاح هجنة ؟ فقال : بل هو سنة ، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه )[6].
أما الوجه
الثاني للمزاح ( الاستهزاء أو المسخرة ...) فهو حرام شرعاً لما فيه من التنقيص
والتحقير والسخرية بالآخرين ، فكما جاء بالحديث الصحيح من حديث أبو هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي
لها بالاً يرفعه الله بها الدرجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي
لها بالاً يهوي بها في جهنم ) . فإياك أيها الشاب الفطن أن تخوض بما ليس لك به علم
، فكثير من الشباب اليوم في سكرتهم يعمهون ، و في غيهم يمرحون ، مما ينبئك بسوء
مجالسهم ، وسواد قلوبهم ، وقلة دينهم ، قال تعالى ( ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر
قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ... )[7].
وقد تجد الكثير من الشباب الضال – الذي نسأل الله أن يهديه – يتفنن في
أنواع السخرية والاستهزاء ، فهناك من يهزأ بالحجاب ، وآخر يسخر بتفيذ الاحكام
الشرعية ، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك ... كما وصل بهم الأمد الى
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لها نصيب من مرضى القلوب ، فظهر منهم
الاستهزاء باللحية والثوب القصير والسواك وغيرها .
ففي جواب
اصحاب الفضيلة العلماء في اللجنة الدائمة للإفتاء على من قال لآخر : ( يا لحية )
مستهزئاً بها فهو منكر عظيم فإن قصد القائل بقوله ( يالحية ) السخرية فذلك كفر ،
وإن قصد التعريف بالشخص فليس كفر ، ولا ينبغي أن يدعوه بذلك .
انتهى
ولنعلم خطورة الاستهزاء على دين الرجل ، فلنستمع الى ما يتلى في سورة
التوبة ، قال تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ، قل أبالله وءاياته
ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ،إن نعف عن طائفة منكم
نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين )[8]
.
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلا من المنافقين قال : ما أرى
قراءنا إلا أرغبنا بطوناً ، وأكذبنا ألسنةً ، وأجبننا عند اللقاء . فرفع ذلك
الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله : إنما
كنا نخوض ونلعب ، فقال ( أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون ... )الآية. وإن
رجليه لتنسفان الحجارة ، وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
وثابت من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه أرحم الناس بالناس ، وأقبل الناس
عذراً للناس ، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزيء .
v
وفي هذا يقول ابن الجوزي -
رحمه الله - في زاد المسير : هذا يدل على أن الجد واللعب في اظهار كلمة الكفر سواء
.
v
قال فضيلة الشيخ العلامة
عبد الرحمن السعدي – رحمه الله : إن الإستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج من الدين ،
لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك
مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة .
v
قال فضيلة الشيخ العلامة
محمد بن ابراهيم – رحمه الله : ومن الناس ديدنه تتبع أهل العلم لقيَهم أو لم يلقَهم
، مثل قوله : المطاوعة – المشايخ والدعاة -كذا وكذا – مستهزء بهم - فهذا يخشى أن
يكون مرتداً ولا ينقم عليهم إلا أنهم أهل الطاعة .
هنا ننوه أن
البعض يقول : لا أقصد الدين ، ولكن أقصد الرجل ، فأقول لك أخي الحبيب : هل شققت على
قلبه ونظرت ما فيه ؟
فالحذرالحذر يا شباب الأمة ، فالأمر جد خطير ، وأنتم على مفترق حساس و دقيق
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك رايك